world ads

الاهلي الان

Sunday, May 4, 2014

لماذا تغير اسم بطل فيلم شمشون و لبلب الى عنتر

صلاح عيسي

علي كثرة عيوبها التي تستحق بسببها ألف لعنة‏,‏ فإن من مزايا الفضائيات التليفزيونية العربية‏,‏ التي تستحق بسببها ألف قبلة‏,‏ أن بعضها‏-‏ خصوصا قنوات الأفلام‏-‏ تعيد بث الأفلام المصرية التي أنتجت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي‏,‏ فتتيح لأمثالي‏-‏ ممن أصبحوا للأسف شيوخا‏-‏ الفرصة لاستعادة ذكريات أيام الشباب الذي ولي‏,‏ حين شاهدوا هذه الأيام نفسها لأول مرة‏,‏ وتوافرت لهم فرصة نادرة‏,‏ للمقارنة بين الانطباع الذي خرجوا به من دار السينما حين شاهدوها في ذلك الزمان البعيد‏,‏ وما تتركه في أنفسهم مشاهدتهم لها‏..‏ في هذا الزمان‏.‏
وربما لهذا السبب‏,‏ ولأسباب أخري لا داعي لذكرها‏,‏ لا أكاد أعرف‏,‏ أو أعثر بالمصادفة‏,‏ علي فيلم مما شاهدته في أيام صباي وشبابي‏,‏ يعرض في إحدي هذه القنوات‏,‏ حتي أتوقف أمامه‏,‏ لأشاهده‏,‏ علي الرغم من أنني أكون قد شاهدته علي القناة ذاتها أو غيرها‏,‏ عدة مرات من قبل‏,‏ محاولا أن أتذكر أين رأيته لأول مرة ومع من‏,‏ باحثا عما يكون قد أضحكني أو أبكاني أو جعلني أحبس أنفاسي من أحداثه وشخصياته وجمل حواره أيامها‏,‏ وعن الأسباب التي تدفعني هذه الأيام للعدول عن انطباعي الأول عنه‏.‏
من بين هذه الأفلام فيلم ملئ بالغرائب‏,‏ من إنتاج عام‏1952,‏ ومن بين غرائبه‏,‏ أنه عرض لأول مرة في مارس‏1952‏ باسم شمشون ولبلب وبعد يومين من بداية عرضه الأول سحب من دار السينما التي تعرضه‏,‏ من دون سبب معروف‏,‏ ثم عاد ليعرض بعدها بستة أشهر باسم عنتر ولبلب‏.‏
وكانت مصر أيامها تعيش في ظل الظروف التي أعقبت حريق القاهرة‏,‏ الذي وقع في يناير من ذلك العام‏,‏ وأدي إلي إعلان حالة الطوارئ‏,‏ وفرض الرقابة علي الصحف‏,‏ واعتقال النشطاء السياسيين‏,‏ الذين استغلوا فترة المد الوطني التي أعقبت إلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية من طرف واحد‏,‏ هو مصر‏,‏ لتشكيل كتائب تقوم بأعمال فدائية ضد القواعد البريطانية في منطقة قناة السويس‏,‏ لإجبار بريطانيا علي إجلاء قواتها عن مصر‏.‏
وأدت هذه الظروف إلي فرض حظر للتجوال في القاهرة والإسكندرية بين منتصف الليل والسادسة صباحا‏,‏ فقررت دور السينما إلغاء حفلات السواريه‏,‏ وصادرت الرقابة علي المصنفات الفنية‏,‏ عددا من الأفلام الوطنية التي كان المنتجون قد شرعوا علي عجل في إعدادها‏,‏ استثمارا لموجة الحماسة الوطنية التي أعقبت إلغاء المعاهدة‏,‏ علي الرغم من أنهم كانوا قد حصلوا كالعادة علي موافقة الرقابة علي السيناريو قبل التصوير‏,‏ لكنها تعللت بأن الظروف قد تغيرت وبأن عرضها‏-‏ في جو الاحتقان السياسي الذي أعقب حريق القاهرة‏-‏ يمكن أن يؤدي إلي تكدير الأمن العام‏,‏ وكان من بين هذه الأفلام فيلم مصطفي كامل‏,‏ الذي أخرجه وأنتجه أحمد بدرخان‏,‏ عن زعيم الحركة الوطنية المصرية في مطلع القرن العشرين‏,‏ وفيلم‏(‏ الكيلو‏99)‏ الذي قام ببطولته إسماعيل يس‏,‏ وتدور أحداثه في قالب كوميدي حول حركة الفدائيين ضد قاعدة قناة السويس‏,‏ وقد عرض الفيلمان بعد أن تغيرت الظروف السياسية وقامت ثورة‏.1952‏
وربما تكون هذه الظروف هي السبب في مصادرة فيلم شمشون ولبلب بعد أيام من عرضه‏,‏ فأحداث الفيلم تدور في حارة مصرية‏,‏ تكفي لافتات متاجرها لإدراك أنها تمثل مصر كلها‏,‏ فهناك عصير قصب الجلاء‏,‏ وجزارة القنال‏,‏ وعجلاتي الوحدة‏,‏ وبقالة السلام يفد عليها ذات يوم شخص غريب ليس من سكانها‏,‏ وهو شخص قوي مفتول العضلات‏,‏ مدجج بالسلاح والأتباع هو شمشون‏,‏ وكان يقوم بالدور الممثل الراحل سراج منير‏,‏ فينزع قطعة من أرضها ليقيم عليها كازينو ومطعما وملهي ليلي‏,‏ ينافس متاجرها‏,‏ ويفسد أخلاق أهلها‏,‏ مما يعرضه من رقص خليع‏,‏ فيحط الفساد عليها إلي أن يتزعم لبلب‏,‏ صاحب مطعم الحرية المقاومة‏,‏ علي الرغم من فقره وضعفه وهزاله‏,‏ فيتصدي لشمشمون ويدخل معه في منافسة علي الهبوط بأسعار المأكولات‏,‏ لا يصمد فيها بسبب ضعف موارده المالية‏,‏ لكنها تنتهي بمواجهة علنية بين الاثنين‏,‏ يتحدي فيها لبلب عدوه شمشون ويراهنه علي أنه في استطاعته أن يصفعه سبع صفعات علي امتداد أسبوع‏,‏ بواقع صفعة كل يوم‏,‏ فإذا فعل‏,‏ حقق شمشون مطلب الحارة‏,‏ وهو الجلاء بلا قيد ولا شرط فإذا فاتته صفعة واحدة يغادر لبلب الحارة ويتركها لشمشون الدخيل بلا قيد ولا شرط‏.‏
ويدور الصراع بعد ذلك بين حماقة القوة وذكاء العقل‏,‏ ويستعين شمشون بأتباعه وماله‏,‏ وينضم أهالي الحارة إلي لبلب‏,‏الذي ينجح بذكائه وحيلته في توجيه الصفعات واحدة بعد أخري إليه‏,‏ خصوصا أن الرهان تضمن كذلك بنت الحارة الجميلة لوزة المطربة حورية حسن‏,‏ خطيبة لبلب‏,‏ الذي قام بدوره المنولوجست الشهير محمود شكوكو‏,‏ إذ اشترط شمشون أن يفوز بها ضمن كل ما يقتنيه لبلب في الحارة‏,‏ في حالة فشله في توجيه الصفعات السبع إليه وخسارته للرهان‏.‏
وأمام توالي الهزائم يلجأ شمشون إلي المناورة‏,‏ ويطالب بفتح باب المفاوضات‏,‏ لكن أهل الحارة يدركون أنه يريد تمييع الموقف ليكسب الرهان‏,‏ فيعلن لبلب أنه لا مفاوضة إلا بعد العزال‏-‏ أي الجلاء‏-‏ ويواصل المواجهة وينجح في شق جبهة شمشون وجذب زوجته إلي صفه‏,‏ بعد أن أفشي إليها سر سعيه للزواج من لوزة‏,‏ مما يمكنه من توجيه الصفعة السابعة إليه‏,‏ فيجلو عن الحارة‏,‏ مهزوما وتعيسا بعد أن انتصر الحق علي الباطل‏,‏ والعقل علي القوة‏.‏
بعد أشهر من العرض الأول للفيلم في مارس‏1952,‏ عاد مرة أخري إلي دور السينما وكانت ثورة يوليو قد قامت وتغيرت الظروف السياسية‏,‏ لكن الحملة الدعائية التي مهدت وواكبت عرضه الثاني‏,‏ أو بمعني أدق الأول مكرر‏,‏ قدمته للناس باسم عنتر ولبلب‏,‏ ولاحظ الذين شاهدوه أنه تعرض لعملية مونتاج لشريط الصوت‏,‏ شملت معظمه‏,‏ لحذف اسم شمشون‏,‏ كلما ورد علي لسان إحدي الشخصيات واستبداله باسم عنتر بصوت يختلف‏,‏ في نبراته وطبقته ودرجة تطابقه مع حركة الشفاه عن أصوات الممثلين الذين يرد علي ألسنتهم‏,‏ ومن بينهم أصحاب أصوات مميزة مثل عبدالوارث عسر‏,‏ وشكوكو‏,‏ وهور ما أثار شكوكا في أن سبب سحب الفيلم من دور العرض لم يكن يتعلق بتناوله للصراع الوطني في مصر‏,‏ بين المطالبين بتوقف المفاوضات‏,‏ وبجلاء الإنجليز عن مصر‏,‏ وبالوحدة بين مصر والسودان‏,‏ وهي الشعارات التي كانت سائدة آنذاك بين صفوف الحركة الوطنية المصرية‏,‏ والتي ارتفعت بقوة خلال المد الوطني الذي أعقب إلغاء معاهدة‏1936,‏ واتفاقيتي‏1899‏ اللتين كانتا تعطيان إنجلترا الحق في مشاركة مصر في إدارة السودان‏,‏ لكنها كانت تتعلق كذلك بإطلاق اسم شمشون‏,‏ وهو أحد أنبياء بني إسرائيل‏,‏ علي بطل الفيلم‏,‏ وتصويره في صورة الرجل الشرير الذي يغتصب أرض غيره‏,‏ ويفسد حياة أصحاب الأرض الأصليين‏,‏ وهو ما يعني أن الفيلم‏-‏ باسمه الأصلي‏-‏ كان يحاول أن يربط بين القضية الوطنية المصرية والقضية الوطنية الفلسطينية‏,‏ وأن يوجه للنشطاء علي الصعيدين رسالة خلاصتها‏,‏ أن الضعف ليس مبررا للنكوس عن استرداد الحقوق‏,‏ وأننا إذا لم نكن نملك القوة‏,‏ فباستطاعتنا أن نستخدم الذكاء‏.‏
أحد ألغاز هذا الفيلم‏,‏ هو سبب تغيير اسمه‏,‏ وهل لذلك علاقة بأن مصر كانت آنذاك‏1953‏ تدرس عروضا أمريكية للصلح مع إسرائيل؟ أم أن الأمر‏-‏ كما قرأت مرة‏-‏ حدث بسبب اعتراض حاخام اليهود حاييم ناحوم أفندي علي استخدام اسم أحد أنبياء بني إسرائيل علي شخصية شريرة‏.‏
أما أهم هذه الألغاز فهو أننا لانزال بعد أكثر من نصف قرن علي إنتاج هذا الفيلم وستة عقود علي قيام دولة إسرائيل‏,‏ عاجزين عن التنسيق بين استخدام العقل واستخدام العضلات من أجل تحرير فلسطين‏,‏ وكلما استخدمنا أحدهما ضاع جزء آخر منها‏.‏

No comments:

ENGAGEYA

البيت بيتك

مكتبة الفيديو