world ads

الاهلي الان

Thursday, October 13, 2011

مقالة : حديث من العالم الآخر

هل تعلمون لماذا توتر الإخوان المسلمون من حديث أردوغان؟ ليس فقط لأنه قال ما نقوله نحن من أن الأفراد هم الذين يختارون ما يشاؤون من معتقدات، أما الدولة فيجب أن تكون على مسافة واحدة من الجميع. وأن هذا هو المعنى الحقيقى لكلمة علمانية. كثيرون قبله قالوا هذا، والدكتور عبد الوهاب المسيرى كانت له مقالات عن العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية، ولم يغضب منه الإسلاميون كثيرا. سبب الغضب من أردوغان هو أنه أظهر جهلهم، وتدليسهم. كيف؟ الغيبيون يلجؤون عادة إلى خلق نماذج مثالية وهمية، ويبيعونها للناس، مطمئنين إلى ثقة الناس فى الرجال الذين يتحدثون باسم الدين، ومطمئنين إلى أن «ماحدش هيسأل». وقد ضربت لكم مثلا فى السابق بالمعتصم. فى سنين مراهقتى كان المعتصم البطل الأسطورى الذى تبهرنى روايات الإسلامجيين عنه بأنه سيّر جيشا لفتح عمورية لأن امرأة أسرها الروم هتفت «وا معتصماه». ثم كبرت وقرأت بنفسى عن المعتصم فوجدت أنه معتنق لبدعة خلق القرآن، أى أنه كافر فى عرفهم. ورغم ذلك فقد كان، هو وأخوه المعتزلى، المأمون، درة تاج الحضارة الإسلامية، ومعظم المآثر الحضارية التى نتباهى بها إلى يومنا الحالى فى تاريخنا الإسلامى حدثت فى عهديهما. هذا الاكتشاف البسيط كان زلزالا بالنسبة إلىّ، لأنه خرق جدارا مرصوصا بإحكام من الحكايات التى اعتقدت أنها بنقاء ماء العيون. ولأنه دفعنى إلى تقصّى الحقيقة عن مزيد من الحكايات، عن عمر بن عبد العزيز، وعلى، وعثمان، وخالد، وملوك بنى أمية، وخلفاء بنى العباس. والأهم أننى تيقنت أن الأموات لو تحدثوا لتبرؤوا مما يطرحه الإسلامجيون اليوم. طيب، التاريخ يحتاج إلى جهد، ويحتاج قبل ذلك إلى نية البحث عن الحقيقة. والأحزاب الغيبية مطمئنة إلى أنها قتلت هذه النية فى قلوب أبنائها وعوّدتهم على ثقافة السمع، وما دام الأموات لن يتحدثوا فلا خوف من أن يسمع الأحياء رواية مختلفة. إنما أن يتطوع نموذجهم الوحيد من الحاضر ويأتى بنفسه إلى الجالسين على الكنب ويقول لهم إنه «لا بد من العلمانية»، فإن هذا -بالنسبة إلى الإخوان- هو الكابوس بعينه. وهذا تماما ما فعل أردوغان فى حواره. وتذكر كم مرة سمعت الإسلاميين يتحدثون عن التجربة التركية كنموذج للإسلام السياسى المعاصر لتعلم مدى «فجيعتهم». وتذكر أيضا كم مرة قلنا نحن إن الفرق بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب الغيبية فى مصر شاسع كالفرق بين برج القوس وبرج التيس. قلنا وكذّبونا. كم مرة قلنا إن حزب العدالة والتنمية ليس أكثر من حزب محافظ على غرار الأحزاب الأوروبية العلمانية التى تحمل لفظ «المسيحى» فى عنوانها؟ قلنا وكذّبونا. وللأسف فإن كثيرا من الشباب الإسلامجيين الذين يضعون صورة أردوغان كصورة بروفايل على الفيسبوك لم يكلفوا أنفسهم أبدا عناء البحث عن بطل الحاضر، ولم يمنحونا احتمالا ولو بسيطا لأن نكون صادقين فى دعوانا. وضعوا صور أردوغان بينما رددوا كلام الشيخ محمد بديع والدكتور محمد سليم العوا. يعتبرون أن هؤلاء مفكرون إسلاميون حداثيون رغم أن هؤلاء وأمثالهم لا يستحقون أكثر من مشيخة زاوية صغيرة. قضاياهم الاقتصادية تشبه الجدل حول إدارة بيت المال، وقضاياهم السياسية مستقاة من «الأحكام السلطانية». يقولون كلاما إنشائيا جديرا بكتب القراءة والمطالعة فى المدارس الابتدائية. انظر إلى الفرق بين ما قاله أردوغان عن السياحة وما يقوله شخص مثل الدكتور محمد سليم العوا، مشكلته فى حياته هى المايوه البكينى، وطموحه الأعظم هو منعه. المفكرون الإسلامجيون فى مصر طبيخ شاط والتصق فى قعر الحلة، التصق بالأفكار القديمة حتى صارت جزءا منه وصار جزءا منها. حتى لو قدمته فى طبق جديد، فستظل رائحة الشياط فيه. السبب الثانى لغضب الإخوان من أردوغان أنه سحب منهم السبة الأساسية التى كانوا يوجهونها إلى مخالفيهم – العلمانية. وهى بالنسبة إليهم ثروة استراتيجية، يستخدمونها فى كل مناسبة، أو يوحون إلى مخزونهم الاستراتيجى من السلفيين والجهاديين باستخدامها بينما يجنون هم الثمرة. لقد وضع أردوغان الأحزاب الغيبية المصرية، ولا سيما أحزاب الإخوان وفروعها، فى الزاوية. لقد رفضوا النموذج التركى. وهم الذين طالما مدحوا النموذج الإيرانى سابقا. ألا فانتبهوا يا أبناء مصر!

No comments:

ENGAGEYA

البيت بيتك

مكتبة الفيديو